الصلح على تنفيذ الحكم
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
يحدث كثيراً في الواقع العملي أن يتم التصالح بين الخصوم عند مباشرة تنفيذ الحكم اختياراً أو جبراً حيث يتم التصالح بينهما في مرحلة تنفيذ الحكم.
وبعد هذا الصلح يتجدد الخلاف في احيان كثيرة وعندئذ يثور السؤال هل يتم تنفيذ الصلح أم الحكم السند التنفيذي السابق على الصلح، وفي هذا الشأن فقد صرحت محكمة التمييز الاردنية وكذا اللبنانية والعراقية بتقرير قاعدة (تحول الحكم السند التنفيذي إلى محرر الصلح) حيث يحل اتفاق الصلح محل الحكم سند التنفيذ، وقد اشارت المحكمة العليا في اليمن إلى هذه القاعدة القضائية في حكم لها وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا بتاريخ 2010/1/27م في الطعن المدني رقم (36779) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم انه عند قيام السلطة العامة بتنفيذ أحد الأحكام جبراً تم التصالح بين طالبي التنفيذ والمنفذ ضده وبعد فترة تقدم طالبا التنفيذ بطلب إلى محكمة التنفيذ حيث طلبا من المحكمة المضي في إجراءات التنفيذ الجبري للحكم الذي كانت المحكمة قد شرعت في تنفيذه قبل تصالح الطرفين بشأنه وفي مواجهة هذا الطلب تقدم المطلوب التنفيذ ضده بدفع بعدم قبول طلب التنفيذ لسبق التنفيذ وقدم محرراً يثبت تصالح الطرفين على التنفيذ فرد طالبا التنفيذ بأن محرر الصلح صحيح غير أنه لم يتم تنفيذه ولذلك طلبا من المحكمة تنفيذ الحكم سند التنفيذي الذي كانت المحكمة قد شرعت بتنفيذه قبل ذلك الصلح فقبلت محكمة أول درجة الدفع وقضت بقبول الدفع ورفض طلب التنفيذ وصحة الصلح الذي تم بين الطرفين عند محاولة تنفيذ الحكم ووجوب التوقف على ما ورد في الصلح وقد ورد في اسباب الحكم الابتدائي (ان التنفيذ قد تم بواسطة العدول المختارين حسبما يحكيه محرر الصلح بخط ... الذي تصادق عليه الطرفان أمام المحكمة وما ادعاه طالبا التنفيذ من ان العدول لم يقوموا بتنفيذ محرر الصلح فالدعوى مردود عليهما إذ انهما قد استلما الشقة المعنية لهما في البيت بموجب ذلك الصلح...الخ) فقام طالبا التنفيذ باستئناف القرار فقبلت الشعبة المدنية الاستئناف وقضت بالغاء قرار المحكمة الابتدائية، وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (لقد تبين أن الخلاف بين الطرفين انحصر في تمسك المستأنف ضده بسبق التنفيذ للحكم البات الذي أقرته المحكمة العليا حيث تمسك المستأنف ضده بصورة لمحرر بخط ... وهو الذي وصفته محكمة أول درجة برقم الصلح واستندت اليه في قرارها وقضت بصحته ولزوم تنفيذه اهداراً منها لحجية الأمر المقضي به في الحكم البات المشار اليه مستندة الى صورة فوتوغرافية لا أصل لها والصورة لا يعوّل عليها) فلم يقبل المستأنف ضده فقام بالطعن بالنقض في الحكم حيث قبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا ( اما من حيث الموضوع فقد تبين للدائرة بعد الرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف وجدت ان ما ينعي به الطاعن في طعنه نعي صحيح حيث انه بالرجوع إلى أسباب الحكم المطعون فيه وجدت انما عللت به الشعبة من المحكمة الابتدائية في قرارها المستأنف قد مست حجية الحكم البات (السند التنفيذي) حينما قررت ان التنفيذ قد تم بموجب رقم التصالح فهذا التعليل غير صحيح بل ان ما قامت به محكمة أول درجة جاء منسجماً مع قاعدة ( تحول السند التنفيذي من حكم إلى محرر صلح) بارادة اصحاب الشأن) كما هو الحال في هذه القضية حيث اقر الطرفان بصحة المحرر حيث استلم طالبا التنفيذ الشقة المعينة لهما في البيت بموجب الصلح المذكور فما عليهما في هذه الحالة الا اللجوء إلى المحكمة المختصة لاستكمال إجراءات تنفيذ ما تضمنه. لذلك فان الدائرة تقبل الطعن وتقرر نقض الحكم الاستئنافي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : جواز الصلح بين الاطراف في أية مرحلة من مراحل التقاضي
(الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً احل حراما أو حرم حلالاً) هذا قول الصادق الصدوق صلى الله عليه وعلى آله وسلم .فالصلح خير وجائز في اية مرحلة من مراحل التقاضي بما في ذلك مرحلة تنفيذ الحكم البات فيجوز للاطراف التصالح على تنفيذ الحكم كما هو وعندئذ يكون الصلح بمثابة محضر تنفيذ اجباري للحكم سند التنفيذ واذا تضمن الصلح تنازل طالب التنفيذ عن بعض المبالغ أو الاشياء المحكوم بها في الحكم سند التنفيذ فان ذلك يعد تعديلاً للاشياء أو الأموال أو المبالغ المحكوم بها الواردة في منطوق الحكم سند التنفيذ، وفي كل الاحوال يجب تنفيذ ما ورد في وثيقة الصلح اعمالاً لقاعدة (تحول السند التنفيذي من حكم إلى محرر صلح بإرادة اصحاب الشأن) وعماد هذه القاعدة هو التراضي فيما بين الاطراف على هذا التحول وقبولهم المسبق بالآثار المترتبة عليه.
الوجه الثاني : ماهية قاعدة (تحول السند التنفيذي من حكم إلى محرر صلح بإرادة اصحاب الشأن) :
من خلال المطالعة إلى الحكم محل تعليقنا ومطالعة بعض أحكام محكمة التمييز الاردنية نجد أن المقصود بهذه القاعدة هو ان عقد الصلح الذي يتم التوقيع عليه فيما بين طالب التنفيذ والمنفذ ضده في اثناء إجراءات تنفيذ الحكم سند التنفيذ يحل عقد الصلح محل السند التنفيذي حيث يجب تنفيذ ما ورد في الصلح وليس ما ورد في منطوق الحكم سند التنفيذ اعمالاً لقاعدة تحول الحكم سند التنفيذ إلى صلح، حيث يكون الصلح بمثابة سند تنفيذي واجب الالتزام به ويتم التنفيذ بمقتضاه من غير حاجة إلى أية إجراءات غير اللجوء إلى المحكمة المختصة بالتنفيذ لمباشرة إجراءات التنفيذ حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثالث : الفرق بين الصلح في اثناء إجراءات التنفيذ والصلح في اثناء إجراءات المحاكمة :
الصلح في اثناء إجراءات المحاكمة يحسم الخلاف القائم بين الاطراف ويصير هو ذاته سنداً تنفيذياً صالحاً للتنفيذ بمقتضاه، اما الصلح في اثناء إجراءات تنفيذ الحكم (سند التنفيذ) فنكون أمام حكم نهائي أو بات جاري تنفيذه حيث يتصالح الاطراف على تنفيذه كما هو أو تعديل بعض ما قضى به فيكون هناك حكم كما يكون هناك صلح لاحق لحكم اراد الطرفان ان يتحول هذا الحكم السند التنفيذي إلى صلح رضائي بين الطرفين يعبر عن ارادتهما الواقعية العملية بعد جولات النزاع التي دارت بينهما. والله اعلم.
ليست هناك تعليقات