البيانات الواجب توافرها في الحكم
البحث الأول البيانات الواجب توافرها في الحكم
من الكتاب الاول من مجموعة المبادئ والقواعد القضائية
الدكتور/ محفوظ عمر خميس
عضو المكتب الفني
عضو المحكمة العليا
يتولى القضاء إقامة العدل بين الناس بتقرير حكم القانون فيما يرفع إلـيـه مـن منازعات وهو في ذلك يجب أن يكون بمنجاة عن كـل المؤثرات التي تنبعث من خارج الوقائع المعروضة عليه فإذا تحقق ذلك تحققت نزاهة القضاء وكان موضع الثقة والاحترام. لقد تم إطلاعي على نماذج عديدة من قرارات المحكمة العليا بشأن الطعون بالنقض ضد أحكام المحاكم الأدنى درجة ولاحظت أن العديد من الأحكـام والقـرارات مطـولـة دون مراعـاة البيانـات الـواجـب توافرهـا في أحكام القضاة، إلا أن بعضها الآخر الإسهاب أو التطويل فيهـا لـه مـا يبرره قانوناً، عموماً أحكام المحاكم أو القضاة قد تكون طويلة أو قصيرة وفي كلتا الحالتين لابد أن يتضمن الحكم عدة بيانات فإن لم يتضمنها اعتبر باطلاً، وإسهاب القضاة في بعض الأحكام الصادرة عنهم قد تكـون إما لأن الدعوى المرفوعة أمامهم من عدد كبير من المدعين أو عدد كبير من المدعى عليهم ولدى الجميع أدلة وبيانات وشهود كثيرون يعمل القاضي على تلخيصها وتحديد موقفه منها ووضع استنتاجاته في الحكم، وقد تثار عدة دفوع أو طلبات عارضة يلخصها القاضي في حكمه كون القرار فيها مثلا مع الحكم الفاصل في الدعوى ويوضع في المحصل ما قام به من إجراءات ومـا اتخـذه مـن قـرارات بصددها وأحيانا تثار في مرافعات الخصوم نقاط قانونيـة عديدة يعمـل القاضي على استعراضها في الحكـم وتحديـد رأيـه حولها باعتبار أن قراره هو الفيصل في الموضوع كما قد يعمل القاضي على الاستناد على عدد من المراجع الفقهية والشروحات القانونية لبعض المسائل المثارة في المرافعات ويتوسع في استعراضها كما يجتهد في بعض الحالات أو يأخـذ بـاحـد المـراجـع دون غيره أو يسترشد في حكمـه بـسـوابق قضائية. فالإطالة وكثرة عدد صفحات الحكم ليس شرطاً ولكن ذلك يختلف مـن حالة إلى أخرى وبحسب الأحوال لهذا فالقضاة عندما يصيفون أحكامهم فإنهم يسعون على منح الحماية القضائية للأفراد ويبحثون عن حكم الشرع أو حكـم القـانون لتقريـر حـل حـاسـم يـزيـل الـعـوارض التي يثيرهـا تطبيـق القانون في الحيـاة العمليـة، وهـم يـسعون لتطبيق القانون حيـث لم يحـتـرم تلقائيـا وهـو لـيـس هـدفاً بذاتـه بـل مـجـرد وسيلة لتحقيـق غـرض آخـر وهـو تحقيق الحماية القضائية التي تكمل الحماية القانونية فعمل القاضـي هـو حسم النزاع بين المتخاصمين، والعمل القضائي لا ينشأ إلا إذا وجـد نزاعاً قائمـاً أمامـه يحـسم وفقاً للإجـراءات القانونيـة تـكـفـل ضـمانات كافيـة لأطراف الخصومة.
ولهذا فإن الأحكام الصادرة عنهم سواء كانت طويلة أو قصيرة تكون بطلبات المدعي كلها أو بعضها أو برفضها لصالح المدعي عليه ويهمنا في هذا البحث المبسط توضيح الإجابة على البيانات الواجب توافرهـا 4 الحـكـم وأهـم هـذه البيانـات هـو تحديد الأسباب للأحكـام والقرارات الصادرة عـن المحـاكم في القضايا المنظورة أمامهـا بمعنى أن تكون الأحكام مشتملة على الأسباب التي بنيت عليها وإلا كانت باطلة ويجب أن تكون الأسباب جدية ومحددة وكافية تؤكد وتطابق منطوق الحكم أو القرار ، كما يجب أن لا تكون متناقضة مع بعضها البعض أو مـع منـطـوق الحكـم أو القـرار الـذي قررته المحكمـة لأن تحرير الحكـم بالشكل الذي يفرضه القانون يمكن الخصوم وغيرهم من الحصول على صور رسمية منه.
ولا يختلف قانون المرافعات المدنية رقم (٤٢)لعام ١٩٨١م في المحافظات الشمالية أنـذاك مـع قـانون الإجـراءات المدنيـة رقـم (9) لعـام ١٩٨٨م فے المحافظات الجنوبية والشرقية انذاك وكذلك قانون المرافعات رقم(٢٨ العام ١٩٩٢م المعـدل بالقانون رقـم (40)لعـام ٢٠٠٢م فإنهـا جميعـاً حـددت بـأن يتكون الحكم من أجزاء أربعة هي على التوالي:
1-المقدمة
٢- الوقائع
3- الأسباب
4- المنطوق.
راجـع المـواد (١٤٨، ١٥٢) مـن قـانون المرافعات رقـم(٤٢)العـام ١٩٨١م والمواد (٣٧٥، ٣٧٩) من قانون الإجراءات المدنية رقم (9) لعام ١٩٨٨م أما القانون رقم(٢٨) العام ٩٢م بشأن المرافعات المدنية والتنفيذ المدني في ظل دولة الوحدة الظافرة فقد نص في المادة (168) منه يجـب أن يشتمل الحكم علـى بيـان المحكمـة الـتي أصدرته وتـاريخ إصـداره ومكانـه ونـوع ورقـم الدعوى التي صدر فيها وأسماء القضاة الذين سمعوا المرافعة واشتركوا في المداولة وتوقيعاتهم وعضو النيابة إن كان وطلباته وأسماء الخصوم كاملة وصـفاتهم وموطن كـل مـنهم ومحـصـل النـزاع وأدلـة الخـصـوم وحججهـم ودفوعهم وطلباتهم ثم تذكر الأسباب والأسانيد القانونية والمنطوق وتوقيع الكاتب وهيئة المحكمة
وتعتبر بيانات الحكـم مكملة بعضها لبعض والعبرة بمـا ذكـري الحكم لا بمحضر الجلسة، وإغفال بيان من البيانات المذكورة أو النقص فيه إذا كان يؤدي إلى التجهيل بالقضية التي صدر فيها الحكم أو القضاة الذين اشتركوا في سماع المرافعة والمداولة أو يطلب النيابة أو بالخصوم. وكـذلك القصور في الوقـائع وعـدم الـرد عـلـى الـدفاع الجـوهـري يجعـل الحكم باطلاً
من هذا النص يتضح بجـلاء أن بيانات الحكم تقوم أيضاً على أربعة أركان أساسية:
المقدمة، الوقائع، الأسباب والمنطوق، وإغفال بيان من البيانات المذكورة أو النقص فيه يجعل الحكم باطلاً.
إن هـذه البيانات الموضحة في نص المادة(١٦٨) مـن قـانون المرافعات والتنفيـد المـدنـي رقـم (٢٨) لـعـام ١٩٩٢م المعدلـة بـالمواد (۲۲۹)و (۲۳۰)و(۲۳۱)مـن قـانون المرافعـات رقـم(40 العـام ٢٠٠٣م يتفـق مضمونها مع مضامين القـوانين السابقة في مراعاة هذه الأركان الأربعة عنـد صياغة الأحكـام والقرارات وأنـه في تطبيقات المحـاكم المختلفة يلاحظ عدم تقيد بعض القضاة بها في أحكامهم وقراراتهم ويدخل في هذه المخالفة للقانون أيضا بعض قضاة الدوائر بالمحكمة العليا حيث يكتفون فقط في قراراتهم بـالركن الأول والثاني فيما يتعلق بالمقدمة والوقائع أما الركن الثالث : الأسباب والأسانيد القانونية وكذا الركن الرابع: المنطوق فهمـا معـدومين ولا نجـد لهما أثرا يذكر وهـذه القرارات كثيرة ومتعددة صعب على القسم الأول في المكتب الفني استخراج أي مبدأ قانوني منهـا لوجود هذا النقص في القرارات الصادرة عن المحكمة العليا وليس الإشارة العابرة إلى النقص لغرض الإنتقـاص مـن أعمال زملائنـا ولـكـن تهـدف مـن الإشارة إليها فقط للتذكير حتى تعم الفائدة للجميع لاسيما وأننا نهدف من خلال هذا البحث أن نوجه الأخوة القضاة في المحاكم الأدنى درجة بالتقيـد بإحكام المادة (168) والمواد الأخرى المتعلقة بإصدار الأحكام والقرارات والمنصوص عليها في قانون المرافعات والتنفيذ المدني رقـم (٢٨) لعام ١٩٩٢م المعدلة بالمواد من (٢٢٩) و(۲۳۱)مـن قـانون المرافعات الجديد رقم(40)لعام 2002م.
وتسبيب الأحكام ومنطوق الحكم الجزء الثالث والرابـع مـن بيانات الحكم هي من أعظم الضمانات التي فرضها قانون المرافعات على القضاة إذ هو مظهر قيامهم بما عليهم من واجب في تدقيق البحث وإمعان النظر في القضية المطروحة عليهم للتعرف على الحقيقة التي يعلنونهـا فيما يفصلون فيه من أحكام وقرارات وبمراعاة هذه أي بالإشارة إلي الأسباب والأسانيد القانونية يرفعون ما قد يتبادر إلى الأذهان من الشكوك والريب ويدعون الجميع إلى تصديق عدلهم مطمئنين خاصة عندما تكون أسباب الحكم واضحة لا غموض فيها ولا تقصير أو قصور، إن تسبيب الأحكام التي تبنى عليها المحكمة النتيجة التي حكمت بها ليس إلا مظهرا آخـر مـن مظاهر علنية أداء القضاة في أدق وخـتـام مـراحـل هـذا لأداء فهو لضمير القاضي في اقتناعه وفي قضائه وليس أبلغ من ذلك في تهيئة وسائل التعرف والاطمئنان الى نزاهة القضاء وهذا التأصيل لحكمة تسبيب الأحكام أوفى من ردهـا إلى فكـرة الـتظلم مـن الأحكـام أو الطعـن فيهـا وضـرورة التمكين من تلمس الأسباب لذلك. إن الواجب يقـع علـى المحكمة الأعلـى درجـة في أداء رسالتها علـى الوجه الأكمـل لتبـاشـر علـى الحكم المستأنف ضده أو المطعون ضده بحسب الأحـوال وهـذا الإشراف والرقابـة تـكـون مـن الناحية الموضوعية (الوقائع) إذا كان من قبل المحكمة الاستئنافية أو من الناحية القانونية من قبل دوائر المحكمة العليا للجمهورية.
والمحكمة العليا للجمهوريـة وهـي محكمـة نقـض وإقـرار يقـع عليهـا مباشرة الرقابة القضائية على صحة تطبيق القانون وتأويله كما هو معلوم، ولا يتأتى لها ذلك إلا عن طريق مراقبة صحة تسبيب الأحكام والقرارات وصحة منطوق هذه الأحكام والقرارات الصادرة من قبل المحاكم الأدنى درجة فهذا هو الوضع الصحيح لأعمال القضاة. إن التقيـد مـن قبل جميع القضاة بهذه الضوابط المحددة في القانون تكون العدالة قد تحققت في أسمى صورها ومعانيها وتكون الأحكام الصادرة عنهم لها حجيتها نظراً لما تحمله من مظاهر الحقيقة ومقتضاها: إن الحكم يعتبر عنواناً للحقيقة فيما قضى به بحيث لا يجوز إهـدار هـذه الحقيقة في إي مجال ولدى أي جهة أو سلطة قانونية في الدولة، والمظهر الآخر للحكم القضائي النهائي البات هو وجود الصحة فيه ومقتضاها صدوره بناء على إجراءات صحيحة وأنه متى صار له مظهر الحكم وكيانه لا يجوز الادعاء ببطلانه مما يلزم تنفيذه طوعاً ، وجبراً عند الاقتضاء، وهذا سيكون موضوع البحث الثاني بشأن اشكانيات التنفيذ وأسباب عدم تنفيذ الأحكام النهائية والبانة الحائزة حجيـة الأمـر المقـضـي فـيـه يتـضمن فيـه مـقترحـات عمليـة لـتجـاوز الصعوبات..
ليست هناك تعليقات