Header Ads

Header ADS

الضرر في جريمة التزوير

أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين 

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء 

من الإشكاليات العملية التي تظهر عند تطبيق النصوص القانونية بشان جريمة التزوير مسائل الضرر من حيث نطاق ومدى افتراضه ووقت تحققه وعلاقة ذلك بمصداقية المحررات والوثائق ومصلحة المجتمع في ذلك لاسيما المجتمع اليمني الذي توطنت فيه ثقافة الفساد والمغالطة والشطارة وما اذا كان الضرر متغيراً من حيث النظرة الاجتماعية إليه ، علاوة على علاقة ركن الضرر بمصداقية المحررات العرفية في المجتمع عامة وتأثير الضرر باستقرار المراكز القانونية  في المجتمع اليمني حيث تشكل المحررات العرفية الاغلبية المطلقة من المحررات ، ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/1/2011م في الطعن الجزائي رقم (43356) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان احد الاشخاص  استاجر من اخيه الغرفتين اللتين صارتا من نصيب المؤجر بموجب القسمة التي تمت بين الاخوين ؛ وبعد ان تم التوقيع على الاجارة قام المستاجر بالحصول على اصل وثيقة الاجارة التي كانت مودعة  لدى الكاتب الذي كتبها فقام المستاجر ابتزوير الاجارة عن طريق الإضافة والتعديل في الاجارة حيث عدل كلمة غرفتين الى غرفة ثم اضاف عبارة واذا صح حق ابن المستاجر فان علو الغرفة يكون لابن المستاجر  مناصفة من حق الموجر والمستاجر، وقد طلب الموجر من الكاتب ان يسلمه اصل الاجارة افاده بان المستاجر  قد سلمه اجرته واخذ اصل الاجارة وعندما طلب الموجر من اخيه المستاجر اصل  الاجارة حينها شاهد الموجر التعديلات التي اضافها المستاجر  الى الاجارة فوقع الخلاف بين الاخوين حتى قام المستأجر بتقديم شكوى الى النيابة العامة التي قامت  بإحالة القضية الى المحكمة بتهمة  تزوير محرر عرفي وهو عقد الايجار وطلبت النيابة من المحكمة معاقبة المتهم بعقوبة التزوير المقررة في المادة (215) عقوبات وبعد ان سارت المحكمة الابتدائية في اجراءات نظر القضية توصلت الى الحكم (بعدم وجود جريمة التزوير لعدم اكتمال اركان وعناصر جريمة التزوير) وقد ورد في اسباب الحكم الابتدائي (وحيث انه بعد المطالعة لفصلي القسمة بين الاخوين لم نجد أي ضرر  قد لحق بالمدعي بالحق المدني جراء ذلك التزوير الذي قام به المتهم في عقد الايجار كما انه  لم يكن هناك ضرر وهو امر لازم لقيام دعوى التزوير بالاضافة الى عرض المتهم على اخيه المدعي المدني ان ياخذ كل منهما فصل الاخر وذلك مما  زاد في ترسيخ  قناعة المحكمة بعدم وجود ضرر فيما قام به المتهم من تغيير وحذف في عقد الايجار) فلم يقبل المجني عليه المدعي بالحق المدني لم يقبل بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه وقبلت المحكمة استئنافه وقضت بابطال الاجارة والزام المتهم بدفع مبلغ مائة الف ريال الى المدعي بالحق المدني ، وقد ورد في اسباب الحكم الاستئنافي (وبالرجوع الى محاضر التحقيقات نجد ان المتهم المستأنف قد اعترف في محضر جمع الاستدلالات بقوله : انه اضاف تلك التعديلات برضاء الطرفين كما انه قد تبين من شهادة كاتب الاجارة  وشاهدي الاجارة محل النزاع انه حصل تغيير واضافة في الاجارة حيث تغيرت كلمة الغرفتين الى غرفة وكذا تمت اضافة  عبارة – اذا صح لولد المتهم من هواء الغرفة فهو على الاخوين مناصفة – كما ان شاهدي الاجارة قد اثبتا في شهادتيهما حصول التغيير والاضافة في الاجارة المذكورة على نحو ما ذكرنا) فلم يقبل المتهم بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض الا ان المحكمة العليا رفضت الطعن واقرت الحكم الاستئنافي حيث ورد في اسباب حكم المحكمة العليا (وثبت ان الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون لان اركان جريمة التزوير غير متوفرة لعدم تحقق الضرر من الجريمة وما نعاه الطاعن في غير محله   لان الضرر مفترض في جريمة التزوير طالما تم استخدام المحرر المزور في الغرض الذي تم التزوير لأجله) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الاتية :


الوجه الأول : الضرر في تزوير المحررات الخاصة في القانون اليمني :


ورد التجريم والعقاب لتزوير المحررات العرفية في المادة (215) عقوبات التي نصت على ان (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات كل من ارتكب تزويراً في محرر خاص اضراراً بصاحبه أو من يعتبر المحرر حجة عليه) وقد ورد هذا النص في القانون  بعنوان (تزوير المحررات العرفية) والصحيح تسميتها بالمحررات الخاصة أي تلك التي تتعلق بالحقوق والمصالح الخاصة حتى تكون التسمية منسجمة مع ما ورد في النص، ومن خلال استقراء النص السابق نجد انه قد تضمن كلمه (اضرارا بصاحبه أو غيره ممن بعتبر المحرر حجة عليه) وهذا يعني ان الضرر ركن في جرائم تزوير المحرر الخاص ويستوي  ان يكون الضرر مادياً أو معنوياً ولا يشترط وقوع الضرر بالفعل بل يكفي احتمال وقوعه؛ ولا يكون الضرر مفترضاً الا في تزوير المحررات الرسمية ، وقد قضت محكمة النقض المصرية بان (جريمة التزوير في المحرر العرفي تقع بمجرد تغيير الحقيقة في المحرر باحدى الطرق متى كان من شان ذلك  ان يترتب عليها ضرراً للغير فلا يشترط في جريمة التزوير وقوع الضرر بالفعل بل يكفي ان يكون محتملاً وتقدير توفر هذا الركن تختص بتقديره محكمة الموضوع كما لا يشترط ان ان يقع الضرر على من اسند اليه المحرر المزور  بل يكفي احتمال وقوع الضرر على اي شخص ؛ ومن المقرر ان التزوير في المحررات اذا كان ظاهراً بحيث يمكن لاي شخص اكتشافه أو ليس متعلق بالبيانات الجوهرية في المحرر فيعدم الضرر ؛وتقدير توفر الضرر أو احتماله يكون قبل وقوع التزوير وليس بعده – الطعن رقم 14797 لسنة 59 ق جلسة 25/10/1992م).


الوجه الثاني : الضرر في تزوير الاجارة حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا : 


من خلال مطالعة الحكم نجد ان المتهم قد قام باضافة بند الى نهاية الاجارة وهو اشتراط لمصلحة ابنه  وهي عبارة (اذا صح للولد من هواء الغرفة  فهو على الاخوين مناصفة) كما قام المتهم بتعديل كلمة الغرفتين الواردة في الاجارة الى كلمة الغرفة ؛ وبذلك يكون الضرر قد لحق  بالمالك المؤجر حيث انه من المحتمل انقاص جزء من نصيبه الشرعي من غرفتين الى غرفة وكذا الانتقاص من حقه في علو الغرفتين لحساب ابن المستأجر وهذا الضرر محتمل لان الوثائق التي تحدد نصيب الورثة هي الفصول وليست الاجارات ، الا ان الاجارات لها اهمية بالغة في اثبات الملكية  لانها تدل على الملكية لان المؤجر لا يؤجر الا ما هو في ملكه وفي حيازته كما ان الاجارات حجة على المستأجر وخلفه فلا يستطيع منازعة المؤجر المالك ، كما ان المتهم قد استعمل المحرر المزور لان العين المؤجرة في حيازته كما انه استطاع الحصول على أصل وثيقة الاجارة عن طريق الكاتب وقام بالتزوير فيها وبناءً على ذلك فان الضرر حاصل وهذا ما قضى به الحكم الاستئنافي الذي اقره حكم المحكمة العليا ، وهذا القضاء هو الذي يتفق مع مفهوم الضرر وشروطه السابق بيانها ، اما الحكم الابتدائي فقد قضى بعدم توفر ركن الضرر من التزوير لان الاجارة ليست وثيقة ملكية كما ان الفصول قد بينت نصيب كل من الاخوين بما في ذلك الغرفتين وعلوهما والفصول حجيتها على المتقاسمين أي الاخوين وتبعاً لذلك فلا يلحق المؤجر ضرر من انقاص حقه في عقد الاجار طالما وحقه ثابت في فصله ؛فالفصل هو الوثيقة المعدة شرعاً وقانوناً لتحديد الا نصبة فيما بين المتقاسمين وللتدليل على ذلك فقد عرض المتهم على اخيه فصله؛ ومن وجهة نظرنا فان اجتهاد الحكم الابتدائي لم يكن موفقاً لان الاجارة تصرف لاحق  للفصول فالاجارة دليل على ان المالك قد تصرف في ماله بعد القسمة وتصرف فيه تصرف المالك ً فالاجارة تبين هذا المال حدوده مكانه تفاصيله فالاجارة عقد فيما بين المؤجر والمستأجر فله حجيته القاصرة على طرفيه  فيستطيع المستأجر ان يحتج بالعقد المزور في مواجهة المؤجر اضافة الى ان المتهم قد صرح بان الاضافات التي قام بها في الاجارة كانت برضاء المؤجر وهذا يعني ان المؤجر المالك قد تنازل عن ملكية غرفة من الغرفتين المؤجرتين وعن علوهما أو هوائهما كما ورد في الحكم ، فالضرر متحقق. 


الوجه الثالث : الإضافات في المحررات القديمة : 


اغلب المحررات القديمة ان لم تكن كلها ترد فيها اضافات وحشو ، وهناك ضابط معروف للتثبت من زوريتها أو صحتها وهو ان كان يظهر من هذه الاضافات والحشو انها بخط كاتبها المعروف بالعدالة فان هذه الاضافات صحيحة حكمها ما ورد في المحرر ذاته اما اذا  كانت الاضافات بخط صاحب الوثيقة فهي مزورة .واذا كانت بخط غير كاتبها وبغير خط صاحب الوثيقة فهي محل شك ويتم التحقيق والتحقق من صحتها من خلال القرائن ما لم تكن اضافة بعد التوقيعات او. في ظهر المحرر كبيع جديد او تنكيتا او تعطيلا وهذا ما اقرته الهيئة الشرعية التابعة للديوان الملكي في عصر الامام احمد حميد الدين رحمه الله حسب افادة المرحوم العلامة محمد بن يحيى المطهروغيره.


الوجه الرابع : التزوير المفضوح لا يعد ضررا : 


من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان التعديل والاضافة في الاجارة قد كانت بخط المسناجر وهو احد طرفي عقد الاجارة ، ولذلك نجد ان الحكم الابتدائي لم يحكم بان ذلك تزوير لان خط المستأجر كان واضحاً على خلاف خط الكاتب للاجارة ، وبناءً على ذلك فان هذه الاضافات لن تنطلي على احد لانه يمكن ادراكها بالعين المجردة لوضوحها كما ان الاضافات التي يكتبها الشخص بخطه الواضح والمشهود لا تكون حجة الا عليه ، ولذلك قضى الحكم الابتدائي بانعدام  التزوير لانعدام الضرر ، وعند التأمل نجد ان هذا التعليل صحيح لكن النتيجة غير صحيحة لان هذه الاجارة نافذة وقد تم تنفيذها على اساس الاضافة والتعديل ، فلا يكون ذلك صحيحاً الا بالنسبة للعقود والمستندات التي لم يتم استعمالها أو تنفيذها حيث يتم اكتشاف التزوير المفضوح قبل استعمالها لقوة وضوحه فلا يتم استعمالها لان التزوير فيها واضح ومفضوح. 


الوجه الخامس : اولوية الحماية القانونية والقضائية للمحررات العرفية في اليمن وتوصيتنا بشانها :

 

تقترب نسبة المحررات العرفية الخاصة التي لم يتم توثيقها أو تسجيلها أو المصادقة عليها  في اليمن تقترب هذه النسبة من 98% ان لم تكن اكثر ، ولذلك فاننا نوصي بان تتم معالجة حجية المحررات العرفية  في قانون السجل العقاري بنصوص واضحة لا لبس فيها لان اغلب المنازعات العقارية في اليمن تحدث في اغلبها بسبب هذه المسألة الجوهرية ، كما ان المعالجة القانونية سوف تحد من النزاعات والخلافات بشان العقارات كما انها سوف تحد من الاجتهادات والتفسيرات المتباينة التي تزيد من حدة المنازعات العقارية في اليمن؛والله اعلم.

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.